Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحول الإنترنت إلى سلطة خامسة عبر الـ "سوشيال ميديا"؟

كتاب يضم جهود باحثين بريطانيين في اختصاصات مختلفة

سلطة الإنترنت بريشة مارتين ريشار (صفحة الرسامة - فيسبوك)

ملخص

ينطلق كتاب "عالم رقمي: الاتصال والإبداع والحقوق"، من فرضية مفادها أن البشر صار يجمعهم حالياً وللمرة الأولى في تاريخهم، نطاق تقني–اجتماعي واحد هو الإنترنت، مما ترتب عليه ظهور سلطة خامسة تضم "كتلة حرجة" فاعلة في كونها قوة مساءلة جديدة، في نواحٍ سياسية واقتصادية واجتماعية شديدة الحيوية.

يؤكد كتاب "عالم رقمي: الاتصال والإبداع والحقوق" الذي صدر مترجماً إلى العربية (المركز القومي للترجمة–القاهرة)، والذي حررته وكتبت مقدمته وأحد أبحاثه أستاذة الاقتصاد الرقمي في جامعة برايتون جيليان يونغس، أن أنواع الاستخدامات الاجتماعية للشبكة العنكبوتية تهدم تصور وجود تعارض بين العصر التكنولوجي وما قبله، "إنها تشير إلى أن الدافع لفهم العالم من خلال مشاركة قصص من حياتنا اليومية، ليس تقليداً من بقايا ماض انتهى أو في طريقه للزوال". "عالم رقمي: الاتصال والإبداع والحقوق".

هذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية محمد حسن (المركز القومي للترجمة–القاهرة) هو نتاج سلسلة حلقات بحثية تحت عنوان "السياسة الرقمية: الاتصال والإبداع والحقوق"، لمعالجة التحديات والفرص المتعلقة بالاقتصاد الرقمي والإبداعي المعاصر. وتشرح هذه الإسهامات أعمال العالم الرقمي عبر ثلاثة موضوعات رئيسة هي الاتصال والإبداع والحقوق، كما أنها تجمع بين المناقشات النظرية والمفاهيمية، مع نماذج وأمثلة من عالم التكنولوجيا الواقعي والعمليات التقنية والإبداعية وتداعياتها. وتتعرض المناقشات لنواحٍ سياسية واقتصادية وثقافية وتعمل على تقييم السياقات الوطنية في عدة بلدان منها بريطانيا والصين، وتشمل الجوانب التي يغطيها الكتاب الهوية الرقمية والتمكين، و"السلطة الخامسة"، و"وسائل التواصل الاجتماعي والربيع العربي"، و"السرد القصصي الرقمي وجمهوره"، و"رقابة المجتمع للإنترنت".

صحافة المواطن

ومحررة الكتاب جيليان يونغس أستاذة الاقتصاد الرقمي في جامعة برايتون، صاحبة نظريات تطبيقية تتعلق بسياسات العمل وممارساته، ومن مؤلفاتها "العلاقات الدولية في عصر العولمة"، "الاقتصاد السياسي–القوة والكثافة"، و"الاقتصاد السياسي العالمي في عصر المعلومات".

شارك في تأليف متن الكتاب 14 باحثاً وخبيراً في تخصصات مختلفة ضمن العالم الرقمي، معظمهم ينتمي إلى جامعات بريطانية ومنهم خبراء في الاتصالات الإبداعية، مثل خالد جلال الذي قاد مع مخططين ثقافيين في دار الاستشارات الثقافية "كلتشرال إنوفيشنز" تأسيس عدد من المبادرات الثقافية الرقمية داخل المملكة المتحدة ومصر وليبيا وسوريا، وغيرها. ومنهم كولين بي هارفي، وهو كاتب متخصص في السرد الرقمي متعدد المنصات، وخلال الوقت نفسه أستاذ في جامعة ويسترن سيدني وزميل زائر لجامعة لندن ساوث بانك. وداميان رادكليف خبير الإنترنت والاتصالات الذي انتخب عام 2008 زميلاً للجمعية الملكية للفنون في بريطانيا، وهو متخصص في قطاع وسائل الإعلام الموجهة جغرافياً وصحافة المواطن والمجتمعات الرقمية. ويتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء هي الاتصال والإبداع والحقوق.

وبحسب المقدمة/التمهيد، فإنه يمكن القول إن الإنترنت نتجت من عصر اجتماعي، وأن هناك تداخلاً متزايداً بين العمليات التي تحدث في ذلك العالم الافتراضي والعالم الحقيقي. وتقول يونغس في هذا الصدد "قد أزعم أن الخصائص الاجتماعية التقنية التي تظهر مدى تشابك العمليات على خط الشبكة العنكبوتية وخارجه، مع تداعيات وتأثيرات العالم الحقيقي، تدعم وجهات النظر التي تضمنتها الدراسات المبكرة المتعلقة بالإنترنت والتي ركزت على بزوغ فجر العالم الافتراضي بوصفه تحولاً تكنولوجياً. وكلما زاد التداخل بين ما يحدث في العالم الافتراضي وفي الحياة الحقيقية، زاد ارتباط الإنترنت وتأثيراتها بسؤال الهوية، سواء كنا نفكر في المواطنة أو أدوار المنتجين والمستهلكين أو جانب المشاعر الأكثر رقة في العلاقات الفردية والشخصية".

السرد الرقمي

وضمن بحث أستاذ الفنون والعلوم الاجتماعية في كلية الصناعات الإبداعية والثقافي داخل جامعة جلامورغان بكارديف هيمش فايف، وعنوانه "القصة الرقمية والإبداع الجديد"، نجد أنه يذهب إلى أن السرد القصصي الرقمي "بات ظاهرة عصرية متماسكة". ولاحظ فايف أن "السرد القصصي الرقمي يحاكي أسلوب الحكي الشفوي إبان حقبة ما قبل الكتابة" ص 151. وأوضح أن رسوم ما قبل التاريخ على جدران الكهوف تؤكد هذا، إذ يقوم المشاركون في السرد القصصي الرقمي بنفس عملية التعبير الرمزي هذا، مستخدمين مجموعة من الأدوات الجمالية بالضبط مثل أسلافهم. وعموماً يناقش فايف هنا السبل التي استطاع السرد القصصي من خلالها تحقيق قوة لإحداث تغيير اجتماعي وحتى سياسي. وعناصر السرد القصصي الرقمي نجدها منتشرة عبر الشبكة في الألعاب والتدوين الصوتي (بودكاستينج) والروايات الفصلية، روايات تقسم إلى فصول أو أجزاء لتُقرأ عبر الهواتف والتدوينات، وقد تنتقل القصة للعرض السينمائي وعبر منصات الهواتف المحمولة التفاعلية. الأب الروحي للقصص الرقمية في بريطانيا دانيال ميدوز لاحظ أن هذه القصص أشبه بقصائد الهايكو اليابانية –نظم شعري مؤلف من 17 لفظا– أو السوناتا –قصيدة من 14 بيتاً– لكن رقمية، في أنها تميل لاتباع بنية نحوية واضحة تحدد عدد الكلمات والصور التي تحدث بدورها التقارب العاطفي والوضوح لعملية السرد. وعام 2008 وصف لوته نيبو وكريتن دروترز السرد القصصي الرقمي بأنه ممارسة اجتماعية ثقافية إبداعية، يقدم فيها المشاركون ذخائر ثقافية مناسبة، ويدفعون من خلالها حدود التعبير والتجربة.  

السلطة الخامسة    

وجاء في بحث عنوانه "العالم الرقمي... السلطة الخامسة" لويليام أتش دتون وإليزابيث دويوا، أن استخدام الإنترنت أصبح أمراً محورياً في الحياة اليومية على مستوى الأفراد وفي المجتمعات المتصلة بالشبكة، ومن ثم صار للتفاوت في القدرة على الولوج للإنترنت أهمية اجتماعية واقتصادية وسياسية كبرى، وعلى رغم التفاوتات الرقمية تلك صارت للإنترنت كتلة "حرجة" في كثير من الأمم مثل الهند، مكنت الأفراد المتصلين بها من أن يصبحوا قوة مساءلة ومحاسبة جديدة. وعلى رغم أنه غالباً ما تفشل محاولات السيطرة على طرق الوصول إلى المعلومات الرقمية، لكن تلك التهديدات التي تتعرض لها السلطة الخامسة تظل حقيقة، بحسب دتون ودويوا. ففي الواقع باتت الإنترنت مصدر أخبار يكمل، بل وحتى يساعد على استدامة السلطة الرابعة، بالتالي فإن السلطة الجديدة لا تسعى لإلغاء السلطة القديمة، بل تسائلها وتدحض ما قد تبثه من قصص إخبارية سلبية، وتنقد اهتمامها بالأخبار التافهة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى خالد جلال أنه على رغم فرص التمكين التي وفرتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك فضاء الاتصالات الأفقي الجديد، "فإن كيانات السلطة التقليدية لا تزال تحتفظ بوضعها باعتبارها عوامل حاسمة في بناء المعنى داخل المجتمع وتشكيل فضاء الاتصالات" ص 239. ولاحظ جلال أن شبكات التواصل الاجتماعي تديرها مؤسسات هادفة للربح، مما يجعلها خاضعة لنفوذ سوق المال العالمي والدول القومية، ومن ثم فإن اعتماد الجهات الفاعلة في المجتمع والحركات على شبكات التواصل الاجتماعي،يخدم الأهداف الاستراتيجية لشركات التواصل الاجتماعي، والشبكات المتصلة من كثب بشبكات السلطة في أسواق المال والدول. وهذه الهيمنة –يقول جلال- تدعو إلى التساؤل في شأن حيادية شبكات الاتصال في ما يخص السعي لنشر الديمقراطية.

تعتيم الإنترنت

ورأى جلال أن قدرة مؤسسات التواصل الاجتماعي على حجب المحتوى بصورة انتقائية استجابة لاعتبارات سياسية وضغوط، تقوض هذه الشبكات كوسيط تمكين وتحرير التحرك الاجتماعي. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن "السلطة الخامسة" المقصودة هنا هي شكل تنظيمي جديد أتاحته الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمية ذات الصلة، إذ يمكن للأفراد العثور على مصادر للمعلومات بمعزل عن أية مؤسسة. وهؤلاء الفاعلون يشملون المدونين السياسيين أو العامة الذين يسعون إلى معالجة مشكلات معينة، وهؤلاء يلعبون دوراً متزايد الأهمية في صياغة أشكال قيادة وحكم ديمقراطي، كسلطة خامسة.

تتكون تلك السلطة، بحسب ما ورد في شأنها ضمن الكتاب، من شبكات من الأفراد لا تجمعهم روابط مؤسسية بالضرورة، "إنهم قادرون على استخدام الإنترنت للوصول إلى بعضهم بعضاً، وعلى توفير موارد معلوماتهم، وأن يتصلوا بشبكات أخرى، سواء عبر الإنترنت أو خارجها، للمشاركة في جعل الحكومات والشركات والإعلام وجهات أخرى، أكثر عرضة للمساءلة". ويشترك مؤلفو الكتاب في القناعة بأهمية تعزيز سلطة خامسة تضيف للإنترنت ميادين تتجاوز الحكومة والسياسة لتمتد إلى قطاعات المجتمع كافة. وأورد الكتاب أمثلة عدة على قوة تلك السلطة الجيدة، منها تعتيم الإنترنت الذي حدث عام 2012، إذ حجبت مواقع عدة محتواها لمدة يوم كامل على سبيل الاعتراض على قانون مكافحة القرصنة SOPA وقانون حماية الملكية الفكرية PIPA، وبذلك أوصلت رسالة إلى الساسة مفادها أن تشريعهم لم يمثل مصالح مستخدمي الإنترنت، مما أدى إلى إلغاء مشروعي القانونين.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب